الفكر الإسلامي 

حريّة البحث العلمي في الإسلام

 

 

بقلم : الأستاذ محمد رجاء حنفي عبد المتجلي

 

 

       إن لكل فرد من الأفراد الحق في تقرير واعتناق ما يراه صحيحًا من نظريات العلم التي تتّصل بظواهر الكون ، من النبات ، والحيوان ، والإنسان.

       والإسلام لم يحاول على وجه الإطلاق أن يفرض على العقول أيّة نظرية علمية معينّة بصدد الظواهر الكونية ، وكل ما يفعله في هذا الصدد هو حفز العقول ، وحثّ الهمم على النظر والتأمّل في آيات الكون ، واستنباط قوانينها العامة ، وأنها جديرة بالعبرة والبحث العلمي ، وذلك كاختلاف الليل والنهار ، وتتابع الفصول ، والشمس والقمر، وتناسل الحيوان والطيور والنبات ، وما إلى ذلك مما يتّصل بشؤون الحياة والكون ، يقول المولى – تبارك وتعالى– : ﴿أَوَ لَمْ يَنْظُرُوْا فِي مَلَكُوْتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيءٍ(1)﴾ ، ويقول جلّ شأنه: ﴿وَآيَةٌ لَّهُمُ الأَرْضُ المَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ . وَجَعلْنَا فِيْهَا جَنَّاتٍ مِّنْ نَّخِيْلٍ وَّ أَعْنَابٍ وَّ فَجَّرْنَا فِيْهَا مِنَ العُيُونِ . لَيَأْكُلُوْا مِنْ ثَمَرِه وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيْهِمْ أَفَلاَ يَشْكُرُوْنَ. سُبْحَانَ الَّذِيْ خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لاَيَعْلَمُوْنَ . وَآيَةٌ لَّهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ . وَالشَّمْسُ تَجْرِيْ لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذٰلِكَ تَقْدِيْرُ العَزِيْزِ العَلِيْمِ . وَالقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتّى عَادَ كَالْعُرْجُوْنِ القَدِيْمِ . لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِيْ لَهَا أَنْ تُدْرِكَ القَمَرَ وَلاَ اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارَ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَّسْبَحُونَ(2)﴾، ويقول الحق جل وعلا : ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُرْجِيْ سَحَابًا ثـُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَه ثمَّ يَجْعَلُه رُكَامًا فَتَرَى الوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِه وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيْهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيْبُ بِه مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُه عَنْ مَّنْ يَّشَآءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِه يَذْهَبُ بِالأبْصَارِ(3)﴾ .

       وإن من القواعد التي قام عليها الإسلام النظر والاقتناع ، اللذان يكون من نتيجتهما المعرفة النظرية ، وقد قال علماء التوحيد : إن أول ما يجب على المكلّف هو النظر ثم تأتي بعده المعرفة .

       وهذا هو الشأن بالأحرى فيما يتعلّق بالمذاهب والنظريات والأفكار التي ينتهجها الإنسان في حياته ويسير على أسسها ، وقد وصف المولى – تبارك وتعالى – المؤمنين بقوله : ﴿الَّذِيْنَ يَسْتَمِعُونَ القَوْلَ فَيَتَّبِعُوْنَ أَحْسَنَه أُولئِكَ الَّذِيْنَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُوْلـٰـئِكَ هُمْ أُوْلُوْ الأَلْبَابِ(4)﴾ ، بالذين يحسنون اختيار المنهج الذي يتّبعونه يمتازون بالعقل والهداية ، ولاشك في أنهما من أفضل الصفات .

       والعلم في الاعتبار الإسلامي هو نتيجة النظر والبحث والمشاهدة والتجربة التي تؤدّى إلى اليقين بالمعلومات ، ويشبه ذلك العلم الذي يأتي عن طريق الوحي الذي يصحبه الإيمان من المكلّفين ، لأن التصديق بالوحي متفرّع عن الإيمان ، فتكون له نفس نتيجة النظر والتجربة ، يقول المولى – تبارك وتعالى – في محكم آياته : ﴿وَلاَ تَقِفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِه عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلـٰـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً(5)﴾، فإذا أهمل الإنسان سمعه أو بصره أو فؤاده ، ولم يستعملها في الوصول إلى الحقائق ، وركن إلى اتّباع ما لا ينبني على قاعدة علمية من الأباطيل والأوهام ، فإنه بذلك يكون قد خان أمانته وأبطل عمل القوى المدركة التي وهبه المولى – تبارك وتعالى – إياها ، واتَّبع الذين يخضعون للظنون والأهواء، فيكون مسئولاً عن ابتعاده عن طرق المعرفة الحقيقية وجريه وراء الهوى والخيال .

       وبذلك يكون الإسلام قد أرشدنا إلى البحث والنظر للاهتداء إلى الحقائق ، وفتح أمامنا أبواب الحرية في هذا المجال .

       وإذا كان الإنسان مؤاخذًا في اعتبار الشرع على إهماله حق نفسه في النظر والبحث العلمي ، فمن باب أولى لايجوز لأحد أن يمنع عنه أسباب العلم ، أو يحرمه من اتّخاذ الوسائل التي تمكّنه من الدرس والجدل والمناظرة والبحث والتجربة .

       وإذا كان الإسلام يعتبر الفرد مسؤولاً عن البحث عن الحقائق العلمية وتخليص العلم من الشوائب التي تتنافى مع الرواية الصحيحة ، أو التجربة المشاهدة ، أو الفكر السليم ، إذا كان الأمر كذلك فقد فتح الإسلام باب العلم والمعرفة على مصراعيه أمام جميع الناس .

       والإسلام حينما يحثّنا على العلم يبيّن لنا أن صاحبه يقترن ذكره بذكر المولى – تبارك وتعالى – وملائكته ، يقول جلّ شأنه : ﴿شَهِدَ اللهُ أَنَّه لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالمَلاَئِكَهُ وَأُوْلُوا العِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ العَزِيْزُ الْحَكِيْمُ(6)﴾ ، كما يبيّن لنا أن العالم لا يتساوى مع الجاهل ، يقول الحق – عز وجل –: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِيْنَ يَعْلَمُوْنَ وَالَّذِيْنَ لاَيَعْلَمُوْنَ(7)﴾ ، وصرّح بأن بين المؤمن الجاهل وبين المؤمن العالم درجات ، يقول تباركت أسماؤه: ﴿يَرْفَعِ اللهُ الَّذِيْنَ آمَنُوْا مِنْكُمْ وَالَّذِيْنَ أُوْتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ(8)﴾ .

       يقول «البيضاوي» : «يرفع الله الذين آمنوا منكم بالنصر وحسن الذكر في الدنيا ، وإيوائهم في غرف الجنان في الآخرة» ، وقال في قول المولى –تبارك وتعالى– : ﴿وَالَّذِيْنَ أُوْتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ ، ويرفع العلماء منهم خاصة درجات بما جمعوا من العلم والعمل ، فإن العلم مع علو درجاته يقتضي العمل المقرون به مزيد الرفعة ، ولذلك يُقْتَدٰى بالعالم في أفعاله ولايُقْتَدٰى بغيره ، وفي الحديث الشريف يقول المصطفى – صلوات الله وسلامه عليه–: «فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب».

       يُعْنـٰـى الإسلام بتعليم القراءة والكتابة لتوسيع نطاق العلم والمعرفة ، وتدبّر المعاني والحكم التي ينزل بها وحي السماء ، يقول المولى تبارك وتعالى في محكم آياته : ﴿اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِيْ خَلَقَ . خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقَ . اِقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ الَّذِيْ عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ(9)﴾ .

       فهذه الآيات الكريمة شاملة لمعان عديدة في كلمات قليلة ، فقد ذكرت القراءة ورمزًا للكتابة بذكر القلم ، وأثبتت أن للوجود خالقًا وهو الله – عز وجل – ، وأشارت إلى قضية علمية ، وهي أن الإنسان قد خُلِقَ من علق ، كما دلّت على أن الإنسان لايزال يبحث ويكتشف ، وأنه سيظهر الجديد من العلوم على يديه مادامت هذه الحياة قائمة .

       والإسلام وهو يدعو إلى التدبّر وأعمال الفكر يتوجَه بالخطاب إلى العقل البشري ، وهو يسوق الأدلّة ، ويوضّح الفائدة والحكمة في كل ما يأمر به، والأضرار والأخطار في كل ما ينهى عنه ، ليكون سلوك الإنسان في حياته عن حرية واقتناع ، وعلى ضوء من المعرفة ، حتى لايصبح أشبه ما يكون بآلة صمّاء .

       وليس في القرآن الكريم أسرار أو رموز يكون حلّها أو كشف معانيها حكرًا على شخص معيّن ، أو طائفة معيّنة دون غيرها ، فهو يمتاز بالوضوح والصراحة ، لأن الغموض يجعل فهم الدين عسيرًا على الأفراد ، وقد جاء الدين لتثقيفهم وتهذيبهم ، كما أنه في هذه الحالة يمكّن طائفة من الناس من الاستئثار بمعرفة الرموز ، وجعل ذلك طريقًا للاستعلاء ، والتحكّم في نصوص الكتب السماوية، وهذا ما لا يريده المولى تبارك وتعالى ولا يرضى عنه، ولذلك لانجد في القرآن الكريم غموضًا أو ألغازًا ، فهو واضح كل الوضوح ، ميسّر للفهم والذكر والعمل، ولقد قال المولى عز وجل في هذا الشأن: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنِ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُّدَّكِرٍ(10)﴾ .

       والأمثلة على يسر القرآن الكريم ووضوحه كثيرة، ففيما يتعلّق بوجود الله – سبحانه جل شأنه– أتى القرآن الكريم بعدّة براهين على ذلك . وكلّها براهين عقلية ، يكفينا أن نذكر منها قوله –عز وجل–: ﴿أَمْ خُلِقُوْا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُوْنَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ والأَرْضَ بَلْ لاَّيُوْقِنُوْنَ(11)﴾ ، فالعقل يفكّر فيدرك أنه لم يُوْجِدْ عن طريق الصدفة من غير إله خلقه ، كما أنه لم يُوْجِدْ نفسه ، والبشر هم أرقى الكائنات الحيّة ، ومع ذلك لم يوجدوا شيئًا منها ، فلابدّ إذن من وجود إله خالق للعالم ، خلق الوجود ونسقّه على هذا النظام البديع .

       وفي مجال التوحيد ونفي تعدّد الآلهة بيّن أن وجود أكثر من إله واحد يؤدّي إلى التعدّد في نظام المخلوقات والتفاوت ، يقول الحق – جل وعلا–: ﴿مَا تَرٰى فِي خَلْقِ الرَّحْمـٰـنِ مِنْ تَفَاوُتٍ(12)﴾ ، وتعدّد الآلهة ينتج عنه تعدّد مراكز النفوذ وتنازع الآلهة على النفوذ ، وهذا ما نفاه المولى – جل شأنه – بقوله: ﴿قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَه آلِهَةٌ كَمَا يَقُوْلُوْنَ اذًا لاَّبْتَغَوا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيْلاً(13)﴾ ، ويقول تقدّست أسماؤه: ﴿مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَّلَدٍ وَّمَا كَانَ مَعَه مِنْ إِلـٰـهٍ اِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلـٰـهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُوْنَ(14)﴾.

       ويبيّن القرآن الكريم أن الآلهة المزعومة التي يعبدها المشركون لم تشهد خلق السماوات والأرض ولا خلق نفسها ، يقول عزوجل : ﴿مَا أَشْهَدْتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ(15)﴾ ، ولن تستطيع هذه الآلهة أن تفعل شيئا ، ولا أن تخلق شيئا ، ولو كان المخلوق ذبابة ، يقول الحق – جل شأنه –: ﴿يـٰـآ أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَه إِنَّ الَّذِيْنَ تَدْعُوْنَ مِنْ دُوْنِ اللهِ لَنْ يَّخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوْ اجْتَمَعُوا لَه وَإِنْ يَّسْلُبْهُمُ الذُّبَاب شَيْئًا لاَ يَسْتَنْقِذُوْهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوْبُ(16)﴾ .

       ويبيّن – أيضا – أن الذين يدعون إلهاً من دون الله – عز وجل – أشبه بالعنكبوت تبني لها بيتًا ، وأضعف البيوت هو بيت العنكبوت ، يقول – جل شأنه – : ﴿مَثَلُ الَّذِيْنَ اتَّخَذُوْا مِنْ دُوْنِ اللهِ أوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اِتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ البُيُوتِ لَبَيْتُ العَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوْا يَعْلَمُوْنَ(17)﴾ .

       ولـمّا ادّعى المشركون أن المولى تبارك وتعالى قد اتّخذ ولدًا، بيّن الله عز وجل فساد هذا الزعم، واستحالة أن يتّخذ ولدًا ، لأن الولد يحتاج إليه أبوه لمساعدته ومعاونته والخلافة عنه بعد موته ، والله عز وجل في غنى عن ذلك ، لأنه هو الحيّ الأزلي الأبدي، مالك الملك وهو على كل شيء قدير، يقول عزّ وجل : ﴿قَالُوْا اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا سُبْحَانَه هُوَ الغَنِيُّ لَه مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ اِنْ عِنْدَكُم مِّنْ سُلْطَانٍ بِهذَا أَتَقُوْلُوْنَ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُوْنَ(18)﴾ .

       ولو كان للمولى – تبارك وتعالى – ولد لكان بالنسبة له أكثر من الشريك ، ولكان له نصيب في الخلق والأمر ، لأن الولد سرّ أبيه ، تعالى الله – عز وجل – عن ذلك علوًا كبيرًا .

       وفي مسئلة البعث يوضّح القرآن الكريم أن الذي يقدر على البدء يقدر على الإعادة من باب أولى ، وأن هناك دليلاً ماديًا على إمكان احياء الموتى ، وهو أن المطر ينزل على الأرض الميتة فتحيا وتزهو بالنبات والأشجار والثمار والأزهار، ويبيّن أنه إذا لم تكن هناك حياة أخرى بعد الحياة الدنيا تُجْزٰى فيها كل نفس بما كسبت لكانت الدنيا مخلوقة عبثًا بدون هدف ، وهذا أمر لا يستسيغه المنطق السليم ، ولا تتقبّله العقول ، يقول الله – عز وجل – : ﴿قُلْ كُوْنُوْا حَجَارَةً أَوْ حَدِيْدًا . أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُوْرِكُمْ فَسَيَقُوْلُوْنَ مَنْ يُّعِيْدُنَا قَلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُوْنَ إِلَيْكَ رُءُوْسَهُمْ وَيَقُوْلُوْنَ مَتـٰـى هُوَ قُلْ عَسـٰـى أَنْ يَّكُوْنَ قَرِيْبًا(19)﴾.

       إن الواقع يشهد بأنه من المحتّم وجود دار أخرى بعد هذه الدار التي نحيا فيها ، للحساب والجزاء ، حيث لاتضيع الحقوق ، ولا يفلت أي مذنب من العقاب يوم القيامة ، يقول الحق – جلّ وعلا– : ﴿فَمَنْ يَّعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه . وَمَنْ يَّعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًا يَرَه(20)﴾ .

       وَفي مجال العبادات التي شرعها المولى – تبارك وتعالى – قد بيّن لنا الحكمة منها ، والهدف الذي شُرِعَت من أجله ، فهي تصلنا بخالقنا عز وجل ، وتسمو بأرواحنا ،  فالصلاة رباط دائم يصل بين العبد وربّه ، ووسيلة من الوسائل التي نتسعين بها على الشدائد ، وهي تنهى عن الفحشاء والمنكر ، وتجعل الإنسان هادئ النفس مطمئنّ القلب ، والزكاة تطهير للقلوب ونماء للمال ، وعطف على الفقراء والمساكين ، والصوم تعويد على التقوى وخشية المولى – تبارك وتعالى –، لأن من يترك المباح خوفًا من الله – عز وجل – ، فإنه أجدر أن يترك المحرَّم، والحج لشهود المنافع ولشكر المولى تقدّست أسماؤه على ما أنعم به من بهيمة الأنعام ، وما يعود علينا منها من منافع .

       أمّا المشكلات التي تُوْجَدُ في المجتمعات فقد جاء القرآن الكريم لها بعلاج ناجع ، ونظام محكم ، تضمّنته آيات الزواج والطلاق ، والميراث وشؤون المال ، والحدود والقصاص ، وعلاقة الأفراد بعضهم ببعض ، والأمم بعضها ببعض ، والآيات في ذلك كثيرة جدًا في مختلف سور القرآن الكريم .

       وأمّا الآداب السامية ، والأخلاق الرفيعة الفاضلة التي دعا إليها الإسلام ويدعو إليها على الدوام ، فقد أوردها القرآن الكريم في كثير من آياته الكريمة ، وهناك بعض آيات القرآن الكريم .

       وأمّا الآداب السامية ، والأخلاق الرفيعة الفاضلة التي دعا إليها الإسلام ويدعو إليها على الدوام ، فقد أوردها القرآن الكريم في كثير من آياته الكريمة ، وهناك بعض آيات القرآن الكريم التي تجمع بين الإيمان والعبادات والفضائل ، وذلك كالآيات العشر الموجودة في أول سورة «المؤمنون»، وقد قال رسول الله في شأن هذه الآيات : «أُنْزِلَ علىّ عشر آيات من أقامهن دخل الجنّة».

       إن الإسلام اعتبر العقل من المصالح الضرورية التي لا يستقيم عمران الكون وازدهاره ورقّيه إلا بها. فكان حفظ العقل وصيانته ثالث المقاصد الضرورية التي عناها الإسلام بعد حفظ الدين والنفس ، وهو يطالب المتديّنين بأن يأخذوا بالبرهان في أصول دينهم ، ونهاهم عن تحكيم الهوى والعصبية في الكشف عن الحقيقة ، وفتح باب الاجتهاد على مصراعيه بما يكون فيه تحقيق مصلحة الأمة الإسلامية ، ورفع الحرج عن المسلمين، وإبعاد المفاسد عنهم .

       وكلما خاطب الإسلام خاطب العقل ، وكلما احتكم احتكم إلى العقل ، وكل نصوصه تنطق بأن السعادة من نتائج العقل والبصيرة ، وأن الشقاء والضلالة من لواحق الغفلة وإهمال العقل ، وإطفاء نور البصيرة .

       والإسلام يعتمد كل الاعتماد على العقل السليم في كل أحكامه وجميع توجيهاته ، ويفتح أمامه آفاقًا بعيدة للتطلّع والاستطلاع ، ويكشف له جوانب الحياة للبحث والدرس ، وبدفعه دومًا إلى التجديد والابتكار ، وأطلق له حرية البحث .

*  *  *

الهوامش :

(1)          الآية (185) من سورة الأعراف .

(2)          الآيات (33، 34 ، 35 ، 36، 37 ، 38، 39، 40) من سورة يس .

(3)          الآية (43) من سورة النور .

(4)          الآية (18) من سورة الزمر .

(5)          الآية (36) من سورة الإسراء .

(6)          الآية (18) من سورة آل عمران .

(7)          الآية (9) من سورة الزمر .

(8)          الآية (11) من سورة المجادلة .

(9)          الآية (1- 5) من سورة العلق .

(10)      الآية (17) من سورة القمر .

(11)      الآيتان (35 ، 36) من سورة الطور .

(12)      الآية (3) من سورة الملك .

(13)      الآية (42) من سورة الإسراء .

(14)      الآية (91) من سورة المؤمنون .

(15)      الآية (51) من سورة الكهف .

(16)      الآية (73) من سورة الحج .

(17)      الآية (41) من سورة العنكبوت .

(18)      الآية (68) من سورة يونس .

(19)      الآيتان (50 – 51) من سورة الإسراء .

(20)      الآيتان (7 – 8) من سورة الزلزلة .

 

*  *  *

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . جمادي الأولي 1427هـ = يونيو 2006م ، العـدد : 5 ، السنـة : 30.